في صيف 2004،
عبّر بعض الأعضاء المحافظين المنتخبين في مجلس تعليم منطقة دوفر، ولاية بنسلفانيا
الأمريكيّة، عن امتعاضهم من تدريس نظرية داروين كحقيقة علميّة في مادة البيولوجي
للصف التاسع (الثالث إعدادي). وقاموا باستشارة معهد ديسكفري الذي قدم لهم نصيحة
قانونيّة بهذا الخصوص.
وقبل أن نسترسل في الحديث، نود
التذكير بأن النار – بالفعل – تأتي من مستصغر الشرر لأن منطقة دوفر صغيرة جدًّا
حيث لا يزيد عدد سكانها عن 23000 نسمة.
وفي نوفمبر 2004، تم التصويت على
اقتراح في مجلس تعليم منطقة دوفر بخصوص إدخال فكرة التصميم الذكي في منهج العلوم.
وكانت نتيجة التصويت ستة مقابل ثلاثة لصالح التصميم الذكي. وأصدر المجلس بياناً
إعلاميًّا بأنه ابتداء من يناير 2005، سوف يقوم جميع مدرسي البيولوجي بقراءة
البيان التالي أمام طلاب الصف التاسع في المدرسة:
«لأن نظرية داروين هي «نظرية»، فهي
لاتزال تُختبَر كلما ظهرت أدلة جديدة. إن
نظرية التطور لداروين ليست حقيقة علميّة. هناك ثغرات في هذه النظرية لا يوجد عليها
أدلة. التصميم الذكي يشرح نشوء الحياة بطريقة تختلف عن رأي داروين. كتاب «عن
الباندا والناس» متوفر للطلاب الراغبين في فهم التصميم الذكي. وكما هو الحال مع كل
نظرية، نشجع الطلاب على أن يتمتعوا بعقل منفتح. المدرسة
تترك أمر مناقشة أصل الحياة إلى الطلاب وأسرهم».
ولكن الأعضاء الثلاثة المهزومين في
التصويت في مجلس التعليم استقالوا احتجاجاً على عدم اعتبار نظرية التطور «حقيقة»
علميّة. كما امتنع أساتذة البيولوجي عن قراءة البيان، ولكن قام بقراءته مدير
المدرسة.
وهكذا.. قامت القيامة! العلمانيّة في
خطر! رفع أحد عشر من الآباء في ديسمبر 2004 قضية
طالبوا فيها بمنع مجلس التعليم في دوفر من قراءة مثل هذا البيان «الديني» – كما قالوا – عن التصميم الذكي في منهج العلوم لأنه مخالف للدستور.
كما طالبوا بتدريس نظرية داروين كحقيقة علميّة.
بدأت المحاكمة في سبتمبر 2005. واستمع
القاضي القاضي الفيدرالي جون جونز الثالث إلى أول شاهد لأولياء أمور الطلبة وهو
البروفيسور كينيث ميلر من جامعة براون، ولاية رود آيلاند، الذي قال «انه ليس هناك
خلاف في الدوائر العلمية حول صحة جوهر نظرية التطور». وأضاف البروفيسور ميلر أن
«التصميم الذكي ليست نظرية قابلة للتمحيص، ولذلك فقد رفضت من قبل العلماء». وتساءل
البروفيسور ميلر عن «السبب الذي حدا بالخالق الذكي إلى خلق كل الكائنات التي
نعرفها والتي انقرضت».
ورد الدفاع أن هدف البيان المضاف هو
تطوير مادة البيولوجي، وأنكر وجود أي هدف ديني على الإطلاق. واتضح فيما بعد أثناء
المحاكمة أن كنيسة دوفر المحليّة تبرعت بشراء وإهداء 60 نسخة من كتاب «عن الباندا
والناس» إلى مكتبة مدرسة دوفر، وهو كتاب أثار ضجة عند صدوره في 1989 لأنه يناهض
نظرية التطور بعنف ويقدم حججاً ضدها. كما يبرهن كتاب «عن الباندا والناس» أن خلق الكائنات
تم بواسطة عقل ذكي، ولا يحسم النقاش حول عمر الأرض. و تعود كلمة «الباندا» في العنوان إلى الحيوان المعروف والخلاف العلمي حول تطوره.
وفي ديسمبر 2005، دخل داروين مرة أخرى
إلى المحكمة في مدينة دوفر لسماع الحُكم. وحسم القاضي الأمر لصالح الآباء الأحد
عشر قائلاً «إن فكرة التصميم الذكي ليست عِلماً بل جوهرها الدين، وهي بذلك تخالف
الدستور» الذي يفصل بوضوح بين الدين والدولة.
أحدث الحُكم ردود فعل كبيرة من كلا
المعسكرين، وأشادت جريدة يو إس توديUSA
TODAY بنزاهة القاضي
مشيرة إلى أنه «جمهوري ويحرص على حضور الصلاة في الكنيسة».
ورحبت معظم الدوائر الأكاديمية وهيئات
المجتمع المدني العلمانية المناهضة لتدريس فكرة التصميم الذكي في المدارس بقرار
المحكمة، واعتبروه ترسيخاً لمبادئ الدستور الأمريكي.
وأصدر معهد ديسكفري المحافظ بياناً
غاضباً قال فيه «إن قرار دوفر هو محاولة من قاضي فيدرالي لوقف انتشار فكرة علميّة
ومنع مجرّد نقد الفكرة الداروينيّة من خلال رقابة حكوميّة مفروضة بدلا من النقاش
الحر. ولكنهم لن ينجحوا. لقد شوهوا التصميم الذكي في المحكمة وكذلك العلماء الذين
قاموا بالأبحاث لهذه الفكرة». ولأن المعهد قدم النصح القانوني لمجلس دوفر منذ البدء،
فإن أن الأمر يبدو كأنه مجرّد بالون اختبار من معهد ديسكفري لمعرفة ردود الفعل
لأنها أول قضية فيدراليّة ضد التصميم الذكي.
ولا شك إن هذا الحكم يمثل هزيمة قوية
للمسيحيين المحافظين الذين يدعمون نظرية التصميم الذكي، كما يمثل الحكم إحراجاً للرئيس
الأمريكي جورج بوش الذي دعم هذه الفكرة بقوّة.
وبالرغم من الحكم الإيجابي والانتصار
الباهر لأنصار نظرية التطور، فإن هناك الكثير من التحديات التي ستواجههم قريباً.
فهناك أربع عشرة ولاية أمريكية تدرس سن قوانين يقول عنها العلماء إنها ستحد من
تدريس نظرية التطور. ومن بين هذه القوانين تشريع في ولاية ميسوري سيعمل على أن يتم
فقط تدريس العلم الذي يمكن إثباته بالتجربة.
وفي الانتخابات التالية التي جرت
لمجلس تعليم منطقة دوفر في نوفمبر 2005، سقط جميع الأعضاء الستة الذين صوتوا لصالح
فكرة التصميم الذكي، مما يلغي أي محاولة لاستئناف القضية لدى المحكمة الأمريكية
العليا.
ووفقا لاستطلاع أجرته شبكة
CBS التلفزيونية قبل
سنة، فان 65% من الأمريكيين يريدون أن يجري تدريس التصميم الذكي جنباً إلى جنب مع
نظرية التطور، بينما 37% يريدون تدريسها
بدلا من نظرية التطور. ويعتقد 55% من الأمريكيين أن الله خلق الكائنات بالشكل الذي
نعرفها به حالياً.
ومن المعروف لدى كل من يزور متاحف
التاريخ الطبيعي في العالم Natural History Museums في نيويورك أو لندن مثلاً أن نظرية التطور هي المعمول بها فقط. حيث
تجد قسماً ضخماً تحت عنوان «التطور» Evolution ولا شيء سوى ذلك.
وقد قامت مجلة «التاريخ الطبيعي»
الأمريكية العريقة Natural History، التي يصدرها متحف نيويورك للتاريخ الطبيعي
الشهير الذي تأسس عام 1869، بنشر تقرير خاص وهام ومثير يحتوي على مناظرة على هيئة
مقالات متبادلة بين أبرز أنصار فكرة التصميم الذكي مع أبرز أنصار نظرية التطور في
الولايات المتحدة. نشر التقرير في
عدد المجلة الصادر في أبريل 2002. ونظراً لطول التقرير، سوف نكتفي بنشر مقدمة
المجلة مع أهم مقال لكل فريق.
مثّل فريق فكرة التصميم الذكي الدكتور
مايكل ليهي، وهو أستاذ البيولوجي في جامعة ليهاي، ولاية بنسلفانيا، ومؤلف كتاب
«صندوق داروين الأسود: التحدي البيوكيميائي لنظرية التطور».
ومثل فريق نظرية التطور الدكتور كينيث
ميلر، وهو أستاذ البيولوجي في جامعة براون، ولاية رود آيلاند، ومؤلف كتاب «البحث
عن إله داروين: بحث عالم عن أرض مشتركة بين الله ونظرية التطور
».
مقدمة المجلة:
التصميم الذكي؟
لقد عُرفت فكرة وجود مُصمم أعلى مسئول
عن التركيب المعقد للكائنات قبل ولادة تشارلز داروين بعدة قرون. إن أحسن شارح لها
كان عالم اللاهوت الإنجليزي ويليام بيلي، صاحب المثال الشهير المعروف بـ «صانع
الساعة». إذا وجدنا ساعة جيب في الحقل، كتب بيلي عام 1802، فإننا نستنتج فوراً،
أنها لم تُصنع بواسطة عمليات طبيعية تعمل على نحو أعمى، بل بواسطة تصميم عقل إنساني.
وبطريقة مماثلة، جادل بيلي، العالم الطبيعي يحتوي على أدلة وفيرة على خالق خارق
للطبيعة. «البرهان عن التصميم»، كما عُرف، ساد وانتصر كشرح لوجود العالم الطبيعي
حتى طباعة «أصل الأنواع» في 1859. إن أهمية الأدلة التي جمعها داروين بصبر شديد
أقنع العلماء فيما بعد أن «التطور» بواسطة «الاختيار
الطبيعي» يقدم شرحاً أفضل لتعقيدات وتنويعات الحياة. لقد كتب داروين في عام 1868
«أنا لا أستطيع – بأية حال – أن أعتقد أن نظرية خاطئة يمكن أن تشرح بنجاح أصنافاً
كثيرة من الحقائق».
في بعض الدوائر، مع ذلك، المعارضة
لفكرة التطور استمرت بعناد حتى الوقت الحاضر. الدفاع عن فكرة «التصميم» نشط مؤخراً
بواسطة عدد من الأكاديميين مع أدلة علميّة، ويقول هؤلاء أن نسختهم من الفكرة (مؤكدين
مخالفتهم لبيلي) مدعمة بقوّة بكل
من الميكروبيولوجي والرياضيّات. هؤلاء المعادون لنظرية التطور يختلفون عن
الأصوليين التكوينيين (نسبة إلى سفر التكوين في الكتاب المقدس) لأنهم يؤمنون أن
بعض الأنواع تتغير، ولكن ليس كثيراً، ويؤمنون أيضاً أن عمر الأرض أكثر بكثير من
6000 سنة. ومثل أسلافهم، مع ذلك، يرفضون فكرة أن التطور مسئول عن أصناف الكائنات
التي نشاهدها اليوم، ويجاهدون لكي تُضم فكرتهم – تُعرف بالتصميم الذكي – إلى مناهج
العلوم في المدارس.